أمارجي كلمة سومرية تعني "الحرية"، و هي أقدم كلمة مدونة في التاريخ بهذا المعنى.
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فكر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فكر. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 4 مارس 2011

حضارة الراعي، حضارة الذكر

كنت، و خلال جزئين قد عرضت رأيي عن بذور نشأة الحضارة الزراعية الأولى و التي وصفتها (و أظنّني قد توفّقت) بأنها حضارة الأنثى.
و تساءلت في نهاية الجزء الثاني: كيف إذن، انقلبت حضارتنا إلى حضارة ذكرية بحتة، تجاهد فيها المرأة بشقّ الأنفس للحصول على أبسط حقوقها؟
و سأحاول هنا أن أعرض رأيي المتواضع في كيفية نشوء حضارة الذكر.

لمّا كانت طبيعة الأنثى قد منحتها الوقت الكافي للتأمّل في مملكة النبات، فإن طبيعة الذكر ذي البنية القوية، قد منحته احتكاكا شبه دائم بمملكة الحيوان، من أجل الصيد كبداية.
و لكن العالم بأمور الصيد، يعرف أنه يحتاج إلى الصبر، و انتظار الفريسة، و مراقبتها و ترقّب أفضل الظروف لاصطيادها، كما أنّه يحتاج للسفر و الترحال الطويلين، للوصول إلى مواطن البروتين الغني لدى الحيوانات. هذا الترحال الطويل، يعني فترات ليلية طويلة من التأمل، في النجوم، و في الحنين للأنثى و التي هي بشكل أو بآخر تعني الوطن الآمن و المستقر في أماكن الخصب الرغيدة.
و لكن الأهم... هو التأمّل في مملكة الحيوان العجيبة. متفكّرا: الضواري يجب الابتعاد عنها، الكلاب و السموريات سيئة الطعم، القوارض قليلة البروتين، و الأهم، تلك البهائم الغنية البروتين، البطيئة، الوديعة، و الغبية إلى أقصى حدود البلاهة.
برأيي، لن يطول الأمر حتى يكتشف الذكر، قدرة الإنسان على ترويض بعض أنواع الحيوانات و تهجينها.
يجمع العلماء الأجلّاء، أن أول حيوان تم ترويضه هو الكلب، و الذي أعان الإنسان في الصيد، و كان عينه الحارسة لذريته و إناثه في ما يمكن أن نسميه "الوطن". و الخطوة التالية ستكون تهجين البهائم.
و هكذا، سيحصل أحد الذكور أو بعضهم (و لكن ليس جميعهم على كل حال) على مصادر البروتين، بل و اللبن أيضا - كجائزة إضافية- و بدون تكبّد عناء و مشقّة الصيد.
و إن كان الصيد يحتاج لعمل جماعي بسبب بدائية وسائل الصيد المتوفرة (كالحراب و السكاكين الحجرية و العظمية)، فإن الرعي لن يحتاج لأكثر من عصا، و لا بأس برفقة كلب يوفّر الوقت للمزيد من التأمل، و هذا حال الرعي إلى يومنا هذا. كما أنّه عمل فردي بالدرجة الأولى. و برأيي المتواضع، هذا الفرد كان الجد الأكبر للشعوب الساميّة. (سآتي على شرح هذه النقطة بشكل مفصل)

إذا كانت الأنثى قد استطاعت من خلال اكتشاف الزراعة، أن تنقل البشرية من مواطنها الأولى في الأدغال المطرية القريبة من خط الاستواء (كما يرى معظم العلماء)، إلى الوديان الخصبة، فإن هذا الراعي الأول (و لنطلق عليه مجازا اسم "قابيل ") قد استطاع أن يتحرر من ضرورة الالتصاق بالوديان الخصبة، ليصبح حرا في جميع السهوب، يسرح بها مع بهائمه المهجنة. مستمتعا بحرّيته و الأهم. مفتخرا بثروته....

نعم أيّها الأحبّة، فالانثى حين اكتشفت الزراعة، لم تتمكن من تعويض البشرية عن حاجتها الماسة للبروتين الحيواني الضروري جدا للنمو، و كان الحل باستمرار الصيد، و لهذا، كانت حضارتها حضارة جماعية شبه مشاعية.
أما قابيل الراعي، فإنه لا يحتاج الجماعة في شيء، فحيواناته المهجنة و المروضة تعوضه - إلا عن شيء واحد و هو المتعة الجنسية - و سهوب المراعي، كريمة أيضا و أحيانا كثيرة بنفس كرم الوديان. و هكذا برأيي نشأت الملكية الخاصة، إذ لا يوجد سبب واحد يدعو قابيل لمشاركة أي جماعة بشرية، في ثروته و قطعانه و ... حضارته.

و ليس هذا كل شيء، فإن صديقنا قابيل الراعي، و من خلال تأمّله بثروته الحيوانية، سيلاحظ حتما، أنها تجامع مثله، و أن إناث البهائم، تماما كإناثه، لا تأتي بالمواليد من طلقاء نفسها، بل تحتاج لماء الذكور، لتحبل و تلد.
و هنا سيكتشف قابيل أن المرأة لا تأتي بمعجزة حقا حين تلد. و هذا ما سيؤدي برأيي إلى رد فعل عكسي، و سيتحول تقديس الأنثى عند قابيل إلى إزدراء بل و احتقار. و لكنه ما يزال ينشد المتعة الجنسية.

سواء حصل قابيل على إناث متعته عن طريق الخطف، ام أنه كان مبتكر عمليات المقايضة و أولى عمليات المتاجرة.... فإن قابيل هذا سيحصل عاجلا أم آجلا، على متعته، و على ذريته الخاصة، المملوكة له و ليس للجماعة كما هو الحال لدى جماعة الحضارة الزراعية.

و مع ذرية قابيل، سينشأ رابط الدم المتين (و سيستمر إلى يومنا هذا و سيزداد قوة على قوة)، و سينسب الأبناء لأول مرة إلى الآباء، و سيبدأ مع رابط الدم هذا بظهور أول الشعوب الساميّة، أكثر ترابطا من الجماعات الزراعية البدائية (بالنسبة لها) برابط الدم، و أكثر تنظيما بوجود الأب الرئيس المالك للثروة و الذرية.
و ستتسارع حضارة الراعي بالتطور، متفوقة على الحضارات الزراعية، حتى يصبح الصدام و الصراع بين الحضارتين أمرا لا بد منه، و يكمل لنا التاريخ، كيف انتصرت الشعوب السامية على الجماعات الزراعية الأكثر بدائية، لتنشأ عندها أولى الممالك, و لتبدأ حضارة الراعي بالإزدهار و الانتشار.

الخميس، 3 مارس 2011

الحضارة الزراعية الأولى، حضارة الأنثى... الجزء الثاني

كنت قد تحدّثت بموضوعي الحضارة الزراعية الأولى، حضارة الأنثى عن رأيي المتواضع بكيفية انتقال البشرية من مرحلة الجمع و الالتقاط إلى مرحلة الزراعة، و ما نتج عن هذا الانتقال من اتساع رقعة موطن البشر نحو الوديان الخصبة على ضفاف الأنهار الكبرى.
و تحدّثت بشكل مختصر عن أهم سمات مرحلة اكتشاف الزراعة، و كيف جاء معها معرفة البشر لطرائق علاجية بالاعتماد على الأعشاب و الفطور و ما تقدّمه مملكة النبات.
و تحدّثت عن دور الأنثى الجليل في تلك المرحلة، حتى أطلقتُ على تلك الحضارة، حضارة الأنثى. و رأيت أن أستفيض قليلا عن بذور نشأة تلك الحضارة.

فالانثى التي أجبرها حملها و ولادتها و نفاسها و إرضاعها و تربيتها للأطفال، على الاستقرار، و أعطاها الوقت للتأمل، استطاعت نتيجة للتأمل في مملكة النبات، أن تكتشف أساليب الزراعة، و أن تكتشف بعض الطرائق العلاجية، بل و استطاعت أيضا أن تكتشف أساليب الغزل و النسيج (لهذا سنجد أن الأنثى حتى يومنا هذا لها القدرة على الغزل و النسج، بل و يعتبر الغزل عملا خاصا بالمرأة حتى في أكثر الحضارات الحالية ذكورية، كما في إيران و أفغانستان)، بل و أستطيع أن أدّعي و كلي اطمئنان بادّعائي، أن الأنثى هي أول من قام بتخمير المشروبات الكحولية.
فبرأيي المتواضع، حتى و لو استطاع الرجل (الصياد ) أن يعصر نتاج الكروم و الشعير و ... الخ، إلا أنّه لن يجد الوقت الكافي للتخمير، ناهيك عن اكتشافه للآلية، بينما سيتاح الوقت للأنثى لتخمير نتاج الكروم و غيرها، و خاصة أنها تملك الدافع لذلك، فهي تنتظر الرجل الصياد للعودة من رحلة الصيد، لذلك ببساطة أرى، أنها احتفظت بالعصائر، و حفظتها من التلف لحين عودة الذكر، فحصل التخمّر... أمّا آلية التخمّر، فإنها ستكتشف من قبلها عن طريق التجربة و الملاحظة، و لا بأس بقليل من الحظ و الصدفة، كحال أي اكتشاف آخر.
و لأنّ الأنثى تقوم بخلق الأطفال عن طريق الولادة، و مع كل ما ذكرته، فإنّه كان لا بدّ أن تتّسم تلك المرحلة بتقديس المرأة
فهي التي تخلق الأطفال، و هي التي تشفي، و هي التي تنسج، و هي التي تأتي بالخمر المسكر، و هي التي تؤمّن القوت من البقول و الأعشاب و الفطور، حين لا يفلح الذكور الصيّادين بصيد البروتين الضروري، ناهيك عن أنّها سبب المتعة الجنسية، بل هي المتعة الجنسية ذاتها. فهل يوجد بعد ذلك ما يدعو لعدم تقديسها؟
و أكثر ما يدعم رأيي هذا، هو اكتشاف تماثيل المرأة المتضخمة الأثداء و الأرداف، في كل مكان انتشرت فيه هذه الحضارة، و التي أجمع الآثاريون أنها انطلقت من شرق المتوسط، و انتشرت في كل أرجاء المعمورة.
هذه التماثيل، وجدت لسبب واحد أوحد، و هو تقديس المرأة الولود.
و لعلّ أهم ما جاءت به تلك الحضارة الزراعية الأنثوية، هو أساطير الخلق الأولى، و لكني سأستفيض في شرح هذه النقطة في مرة قادمة إن شاء الله.

هكذا أيّها الأحبّة، برأيي المتواضع و الحر، استطاعت الأنثى أن تنقل البشرية من مرحلة الجمع و الالتقاط و الصيد، إلى مرحلة الزراعة المشاعية الأولى، و أولى الحضارات الإنسانية. و التي كما سبق و أخبرتكم، كانت حضارة سومر القديمة، أكمل هذه الحضارات التي وصلت إلينا.

و لكن، هل تعتقدون أن الذكر سيقف مكتوف اليدين و هو يرى سطوة الأنثى على الحضارة؟
نظرة بسيطة على واقعنا اليوم، و نظرة ابسط على التاريخ، ستؤكد أن الإجابة هي: لا

و لكن كيف بدأت حضارة الذكر، و كيف حصل الإنقلاب الذكري؟
هذا ما سأحاول أن أجيب عليه في تحشيشة أخرى.... و لحين بلوغ الوقت، لكم مني أطيب التحيات.

الأربعاء، 2 مارس 2011

الحضارة الزراعية الأولى، حضارة الأنثى

كنت قد تحدثت في موضوعي السابق: نشوء الحضارة، بين عقدة أوديبا و عامل الخبرة و الإرادة الواعية عن رأيي في كيفية نشوء الحضارة و التابوه او التشريع الأول الذي نظم العلاقات الزوجية بصيغتها البدائية.

يقول ماركس، و يجمع معه كثيرون أن المجتمع الإنساني الحضاري الأول كان مجتمعا مشاعيا، تحكمه علاقات زوجية مشاعية مع نظام تابوه بدائي. و لن أدخل في موضوعي هذا بتفاصيل النمط الزواجي البدائي، و من يريد الإطلاع على المزيد التفاصيل فما عليه إلا أن يراجع كتب مثل "الطوطم و التابوه" لسيغموند فرويد، او كتاب " نشوء العائلة و الملكية الخاصة" لفريدريك إنجلز، فقد استفاضا في شرح النمط الزواجي المشاعي.
هذا المجتمع المشاعي، كان يقوم على اقتصاد بدائي يعتمد على الجمع و الإلتقاط و الصيد.


فلمّا وهبت قوانين الحياة و الطبيعة  الذكر و الأنثى جسدين مختلفين فيزيولوجيا، فقد تحتم على ذلك الاختلاف، اختلافٌ في الأعمال و الاهتمامات. فقوة جسد الذكر، جعلته دون الأنثى قادراً على القيام بأعمال الصيد التي تحتاج لسرعةٍ في الجري و عنفٍ في المواجهة و عزمٍ على مصادر البروتين الضرورية للنمو (الحيوانات).
بينما كان جسد المرأة الولود عامل استقرارٍ أكبر، جعلها تهتم بأعمال جمع البقول و الأعشاب و الفطريات، و التقاط الثمار من مملكة النبات، المستقرة في الأرض مثل الأنثى، و وفّر لها وقتا أطول للتأمل و التعلم من الطبيعة التي حولها. و لا أجد أدلّ على هذا التأمل سوى أن أدعوكم أيها الأحبّة، للمقارنة بين مدى اهتمام الأنثى الغريزي بجسدها، الأمر الذي يتضاءل معه اهتمام الذكر بجسده حتى يكاد يبدو و كأنه إهمال.
و مع هذا التأمل و الملاحظة جاءت الحكمة التي هي نتيجة التأمل الحتمية.
و تجسّدت هذه الحكمة في اكتشاف بعض أساليب العلاج كنتيجة لمحاولة فهم الأنثى المبكر لآلية عمل جسدها من جهة، و نتيجة لعلاقة الأنثى بالأعشاب التي تلتقطها لتتمكن الجماعة من الحصول على قوتها في حال فشل الذكور من اصطياد البروتين الضروري لحياة البشر، من جهة ثانية. كما أنها تجسّدت أيضا في تعلّمها أساليب الزراعة الاولى بعد ملاحظتها لمعجزة الحياة الطبيعية و كيف تنتش البذور الساقطة على الارض لتغدو زرعا يعطي الغذاء و الكساء للبشر، في آلية تشبه إلى حدٍّ كبير، آلية الولادة التي تختص بها دوناً عن الذكور، مما جعلها أقدر من الذكر على فهم و تعلّم آلية الزراعة.
و مع تعلّم الزراعة، استطاعت البشرية أن تبتعد عن موطنها الأساسي في الغابات و الأدغال، لتنطلق البشرية إلى السهوب الواسعة التي على ضفاف الانهار الكبيرة، حيث الخصب و المناخ المعتدل و الحياة الرغيدة.
فقامت الحضارات الأولى على ضفاف الأنهار الكبرى مثل النيل و دجلة و الفرات و سيحون و الغانج... الخ.
و لم تنكر الحضارات البشرية المبكرة ذلك الدور الجليل الذي تقدّمه الأنثى في المجتمع، سواء من حيث العلم و المعرفة و الحكمة، أو من حيث اجتراح معجزة الحياة و الخلق (الولادة)، أو من حيث كونها عامل استقرار أساسي (لحاجتها لهذا الاستقرار بسبب الحمل و الولادة ثم الرضاعة و ممارسة دورها الأمومي... الخ). بل بجّلتها حتى وصلت إلى حدّ التقديس، فكانت آلهتهم أنثوية مثل إينانا و عشتار و عناة و إيزيس و أفروديت و فينوس ... الخ. و أستدلّ على ذلك من خلال التماثيل التي عثر عليها الآثاريون في كل مكان تقريباً، تلك التماثيل التي تجسّد أنثى تضخّمت أعضاءها الجنسية التناسلية كالأرداف و الأثداء. و التي يعود بعضها إلى أكثر من 15 الف سنة.
و أوضح تلك الحضارات التي وصلتنا هي حضارة "سومر" القديمة (تمييزا لها عن حضارة سومر الأحدث). تلك الحضارة التي قامت جنوب العراق عند التقاء نهري دجلة و الفرات.

هذه الحضارة الزراعية المبكرة، أنتجت أوّل و أقدم أساطير الخلق و التكوين، و سنرى لاحقا كيف أنّ هذه الحضارة ستطبع بطابعها كل الحضارات التالية، و هذا ما سنلاحظه في كل أسطورة وصلتنا عن الخلق و التكوين، و منها الأسطورة التوراتية، التي تشرح كيف انتقل جدّا البشر الأولان - آدم و حواء - من جنة أشبه ما تكون بالأدغال و الغابات الاستوائية، إلى بيئة أكثر ضراوة

الاثنين، 28 فبراير 2011

نشوء الحضارة، بين عقدة أوديبا و عامل الخبرة و الإرادة الواعية

يقول مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد: أن عقدة أوديبا هي سبب نشوء الحضارة البشرية.

ثم ينخع نخعة كوكايين، و يسترسل في كتابه "الطوطم و التابوه" قائلا:
في مرحلة من مراحل تاريخ الجنس البشري، كان البشر يعيشون على شكل قطعان تشبه قطعان القرود الرئيسية، حيث يوجد ذكر قوي يسيطر على مجموعة إناث و يقوم برعاية الأطفال. (كلام معقول)
و هذا الذكر، - كغيره من ذكور الحيوانات - لن يسمح لأي من أبنائه الذكور بالاقتراب من إناثه (برضو كلام معقول، و من يتابع الناشيونال جيوغرافيك سيتعثر بأحد البرامج التي تتحدث عن حياة القردة الرئيسيات القريبة الشبه من الإنسان و سيرى أن الكلام معقول)
و هنا، سيحاول سيجموند فرويد و من نحا نحوه أن ينخّعونا أكبر كمية ممكنة من أي مادة مسطّلة، ثم يقول:
بلحظة تاريخية ما، قام الأبناء الذكور بمؤامرة و قتلوا الأب، و غالبا أكلوا الجثة... (هكذا !)
ثم ندموا و بدأت عقدة أوديبا بالظهور و جعلوا من أحد الحيوانات طوطما لهم و تمثّلت روح والدهم القوي الجبار المتسلط العنيف به.
و لا يكتفي عند هذا الحد، بل يسترسل (غالبا تحت تأثير الكوكايين، و الله أعلم) ليقول أن هذا قد تم لدى جميع القطعان البشرية المنتشرة فوق بسيطة رب العالمين، بصدفة لا تحدث لا في الأحلام و لا في الأفلام و لا أي كلام (أي والله العظيم لم أفتر على أحد و كتاب الطوطم و التابوه أكثر من الهم على القلب في مكتباتنا المنحوسة و محتوانا الإلكتروني المصاب بالجفاف الفكري).
و هكذا... يرى فرويد المنتشي ( بتأثير الكوكايين من جهة، و بانتصار الصهيونية من جهة أخرى، بفتح الهمزة) أن الأبناء قرروا أن "يسيبوا" أمهاتهم، خليلات الأب الأسطوري الجبار، من دون مساس ليبدأ ما يعرف بالتابوه.

هنا، سأشعل سيجارتي (ملغومة كانت أم بريئة) و سأختلف و أختلف ثم أختلف
نعم، كان هناك ذكر متسلّط مسيطر جبار ( و ما زلنا نعاني من آثاره في شرقنا).
و نعم، لم يسمح للأبناء بالاقتراب من إناثه.
و لكن ما حدث (برأيي المتواضع و لكن الحر) هو نشوب صراعات متكررة على مركز الذكر القائد، فإن غلب الأب ابنه العاق، كانت النتيجة إما قتل الابن، او هربه من الجماعة، ليحاول أن يخطف أنثى ما و يؤسس معها جماعته الخاصة... (و لا يوجد احتمال ثالث)
أو أن تكون النتيجة انتصار الابن على الأب، و النتيجة إما موت الأب، أو الاستمرار بحياة ذليلة على فتات و حسنات الجماعة التي كان يوما ما قائدا لها، دون أي حق له بأي أنثى (و أيضا لا يوجد احتمال ثالث)
و برأيي فإن الأب لن يهزم إلا بسبب ضعف أو عوز أو عجز سببته سنين الحياة الطويلة التي عاشها، و التي سببت له أيضا الخبرة

فلا أرى علاقة لمرض نفسي بنشوء الحضارة، بل أفسرها بعامل الخبرة (التي بشكل أو بآخر تعني المعرفة و المهارة) كما يلي:
في جماعة بشرية سيطر عليها ابن منتصر، و أب متأمّلٌ ينتظر الموت لينهي ذلّه و هوانه... ستحصل ظاهرة طبيعية ما (مناخية أو جيولوجية أو .... الخ)، و عندها سيتمكن الأب صاحب الخبرة و التأمل، و لكن المهزوم، من إنقاذ الجماعة البشرية بخبرته.
عندها برأيي سينشأ عقد واعي، كنتيجة ضرورية للبقاء و الاستمرار، بين الأب و الأبناء، يقوم على التسامح و العدل (مهما كان بدائيا) و هو عقد الأم أو ما يعرف مجازا بالتابوه الأول ( للمزيد من المعلومات عن عقد الأم بأمكانكم الإطلاع على كتاب الطوطم و التابوه فهو ينفع)
إن ارتباط عامل القوة الشبابية مع عامل الخبرة الشيخية، سمحت للخبرة/ المعرفة، بالانتقال من جيل إلى جيل، و سمحت لبناء أول صروح الحضارة، طوبة طوبة... إلى أن جاء أجدادنا بالتدوين الأول ليسمحوا بذلك للخبرة/ المعرفة أن تطول بعمرها و تتراكم تسارعيا إلى عصرنا هذا، و ما الحضارة أيها الأحبّة، إلا مجموعة المعارف و العادات.
هكذا.... و بعيدا عن صدف الأحلام و الأفلام بتاعة فرويد، أستطيع أن أفهم أن اصطفاءا طبيعيا ما، أنهى القطعان التي لم تنتقل إلى عقد الأم، و أبقت على القطعان الآخذة بعقد الأم

هكذا برأيي، نشأت حضارتنا.
لا أعرف إن كان هناك من ذهب مذهبي هذا من قبل، فإن كان ذلك، فأنا من أتباع هذا المذهب، و إن لم يكن، فآمارجي تفخر بأن تقدم لكم نظرية جديدة متواضعة، في محاولة فهم نشوء الحضارة، على أساس الخبرة و الإرادة الحرة الواعية

و يبقى الإختلاف بالرأي من وجهة نظري، أجمل ما في كوننا

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

تحية لروح محمد شكري

عندما كتب الراحل المغربي الكبير محمد شكري روايته القنبلة "الخبز الحافي"، تهافتت عليها دور النشر العالمية، حتى تم نشرها بـ 38لغة.
و لكنها، رغم كتابتها باللغة العربية، احتاجت لعشر سنوات أخرى حتى تجرأت دار نشر عربية واحدة على نشر هذه الرائعة الأدبية.
و ما أن تم نشرها بالعربية حتى انهالت عليها الإنتقادات من كل حدب و صوب. لدرجة جعلت شكري نفسه يطلق عليها: الرواية الملعونة.

لم تجد دور النشر العربية في الرواية واقعا معاشا من قبل الملايين في عالمنا العربي. و لم تقدّر روح الصراحة و الصدق التي كتبت بها، و لم تر ذلك الشاب الذي ترعرع في أحط قيعان المجتمعات العربية حتى بلغ العشرين، لم تره كيف تمرّد على واقعه الأمّي و الجاهل، و كيف استطاع أن يتحول إلى أكبر أدباء و مثقفي عصره، و لم تر فيه قدوة يحتذى... بل كل ما رأته، هو جملة أخلاق بالية و زائفة، و حياء عام تم خدشه. (و كأن ذلك سيجلب نهاية العالم)

إن واقع دور نشرنا و ناقدينا الأدبيين، أكثر فظاعة من واقع شكري الذي تحدّث عنه في تحفته الأدبية. واقع مرعب من الضلال و الكذب و النفاق على مجتمع منهار، أوصله حكّامه و القائمين على أدبه و فنه إلى ذيل أي قائمة دولية، من قوائم الشفافية، إلى قوائم المحتوى على النت، إلى قوائم الجامعات و المستشفيات، بل حتى قوائم الفيفا

إن سياسة النعام، او سياسة "إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا" هي ما أوصلتنا إلى حضيضنا الرهيب. فنحن لم نعد خير أمة أخرجت للناس، و نحن لسنا أمّة إقرأ، فجميع دور نشرنا، لا تنشر ما تنشره دار نشر واحدة في اليونان.

أيها الأحبّة، إن أول خطوة من خطوات العلاج هي معرفة السبب و العلة، هذه قاعدة عامة. باتت ضرورة حتميّة في حياتنا
إن لم نصح، إن لم نعترف بمشاكلنا، فبئس الأقوام نحن

لروح عاشق طنجة و أدبيها الكبير البطل محمد شكري ألف تحية و سلام

(ملاحظة: كان بودّي أن أنشر في هذا المنبر، قصيدة طنجيس الرائعة لمحمد شكري، و لكني لم أجدها، لكي تزداد مرارتي على محتوانا الإلكتروني الهزيل المليء بالخزعبلات و التفاهة ، إلى أن أجهز القصيدة ... لكم مني أحبّتي إحترامي و تقديري)

تعرف أيه عن الحتمية يا بهجت يا أباصيري؟

أعرف عن الحتمية ما يلي:
1 - أنها المبدأ الأساسي الذي تستند عليه العلوم ... كل العلوم، بل و كل ما هو منطقي (و للسؤال عن المنطق بإمكانكم الإطلاع على فلسفات أرسطو و افلاطون... الخ، أو إجابة مرسي الزناتي في مدرسة المشاغبين أيضا بتنفع).

2 - الحتمية تقول: كل شيء في الكون هو "سبب" يؤدي إلى نتيجة ما، و هو بذات الوقت "نتيجة" لسبب سابق له في الزمن

يعني... (يا نهار إسود)...
لنفترض جدلا، أن هناك شيء ما كائن في الكون و لنطلق عليه مثلا "العنصر آ" (كان، كينونة). فإن هذا العنصر، بالحتمية، سيسير وفق حركة زمنية ما (سار، سيرورة). فيتحول و يصير بذلك إلى شيء آخر و لنسمه مثلا "العنصر ب" (صار، صيرورة).
إذن الحتمية تقول أن "العنصر آ" الذي كان، تحول بفعل السيرورة الحتمية إلى "العنصر ب" الذي صار.
و لكن هذا " العنصر ب" أصبح كائنا بذاته، و هو إن خضع لسيرورة أخرى (بضم الهمز) فإنه هو أيضا في حال خضوعه لشروط قانونية، سيسير ضمن قوانين الحتمية ليتحول إلى شيء آخر و لنسمه "العنصر ج"، و هكذا دواليك
يعني: كان > سار > صار

3 - لفهم سيرورة الحتمية (سار) أحيلكم أيها الأحبّة إلى السببية (ذات الارتباط الوثيق بالحتمية) التي تقول: كل فعل في هذا الكون له رد فعل، يتحول بموجبه إلى فعل و سيؤدي أيضا إلى رد فعل و هكذا دواليك... (فالبيضة النيئة إن فعلنا بها فعلا حراريا ستتحول ضمن شروط خاصة إلى بيضة مسلوقة)

بناءا عليه... ينقسم الحتميون إلى نوعين متناقضين اشد التناقض:
القدريون: (المؤمنون بالقدرية Fatalism) كالمسلمين الذين يرون أن الله هو مبتدع الحتمية لتسيير الكون بشكل منظم (و هؤلاء يكونون قد حلوا مشكلة العلة الأولى أو السبب الأول)، و لو أنهم لم يعودوا منذ زمن المعتزلة و ابن رشد و عمر الخيام يتفكرون بالحتمية أو الفلسفات. و باتوا يقبلون دينهم بالنقل لا بالعقل (يا خسارة)
و العلماء (علماء العلوم اصحاب الكلمة الحقيقيين و ليسوا العلماء الخرندعيين بتوع الأديان) و الذين يعتقدون أنهم يستطيعون من خلال الحتمية التنبؤ بالنتائج، و ما لا يستطيعون التنبؤ به يعود إلى عدم معرفتهم لشروط و قوانين السيرورة الحتمية... و أنهم مع الزمن سيجدونها، و لكنهم بعكس القدريين لم يتمكنوا من الإجابة عن العلّة الأولى أو المسبب الأول.
و إن كان القدريون يكتفون بإحالة الإجابة إلى جواب ميتافيزيقي و هو الله الخالق، عندما يُسألون عن برهان اعتقادهم... فإن العلماء الذين يعتمدون على المنطق الرياضي يعلمون جيدا أنهم (حتى الآن على الأقل) لم يتمكنوا من إيجاد برهان على صحة الحتمية لا رياضيا و لا بأي طريقة عقلانية علمية منطقية أخرى (بضم الهمز.. أو فتحها لا فرق)

كل هذا جميل
و لكن مشكلتي مع الحتمية تكمن في أن الحتمية تلغي الإرادة الحرة للإنسان، و تعتبرها مجرد خزعبلات وهمية لا وجود لها إلا في مخيلاتنا...
فإن كانت الإرادة الحرة في مخيلاتنا فقط، فلماذا إذن مخيلاتنا حرة؟ لماذا نحن أحرار بما نحلم، و ما نفكر و ما نقرر؟
و من أين جاءت كلمة الحرية الوهم؟ أم أن الأوهام أيضا أمرا حتميا؟
و هل هناك من يستطيع أن يقنع فنانا ما (رساما كان ام موسيقيا أم نحاتا أم... الخ) أنه لم يتدخل بإرادته في إبداع فنونه؟ و أن فنه كان سيكون بشكل "حتمي" و أنه كان فقط ريشة أو قلم أو إصبع؟
و هل هناك من يعتقد أن عمارة ما ترتفع بدون تدخل إرادة الإنسان الحرة؟

لا أنكر دور الإلهام، أو الوحي، أو الصدفة، و لكني أيضا لن أنكر دور الإرادة الحرة

و أشد ما يزعجني هو أن يقوم الحتميون باستهداف اصحاب باقي الفلسفات من مبدأ أن لا برهان على صحة مبادئ فلسفاتهم في الوقت الذي هم أنفسهم لا يملكون برهان على صحة فلسفتهم الحتمية


و يبقى الخلاف بين المعتقدات قائما يلون حياتنا... إلى أن يكشف الله أمرا كان مخفيا

الجمعة، 18 فبراير 2011

بين المرسح و المسرح...


عندما بنى الراحل الكبير أبو خليل قباني "مرسحه" في دمشق، قامت الدنيا فيها و لم تقعد حتى تم حرق هذا الكفر المبين. (و هل يحرق بالنار سوى ربّ النار؟ مجرد سؤال يعني)
و كانت موجة الغضب و التكفير التي أقامها أصحاب العقول المتحجرة لم تبرد في القاهرة عندما بدأ هذا الفن العظيم في الظهور فيها.
فالفن المسرحي كان قد عرف طريقه هناك عن طريق "الثياترو" ابن الأكابر القادم من عند بلاد الخواجات الأكابر... و هذا طبعا لا كفر فيه و لا من يحزنون. لأنه آتٍ من عند أبناء الأكابر. (هكذا!!)
و عندما أراد الراحل الكبير نجيب الريحاني إطلاق هذا الفن بدون معونة أبناء الأكابر الخواجات... وجد الحل بكلمة "مسرح" التي هي التعريب المناسب لكلمة "ثياترو" و ليس لها أية علاقة بـ"مرسح" أبو خليل القباني الكافر صاحب التجربة المريرة في دمشق.
هكذا، أيها السادة الكرام، تمكّن نجيب النجيب من إبعاد شبح التكفير عن المسرح، و الذي لو استند إلى الكلمة العربية الصحيحة المرادفة لـ"ثياترو" الخواجات الأكابر، لما عرف طريقاً إلينا اليوم، و لا كنّا استمتعنا بمسرحيات عادل إمام أو دريد لحام أو فؤاد المهندس أو الأخوين الرحباني أو ... الخ

و المطلوب، بعد هذه المقدّمة، إيجاد تعريب جديد للكلمة الخواجاتية Liberalism غير كلمة "ليبرالية"، لأن هذه الـ"ليبرالية" أو "التحررية" بنت الكلب، قد اصبحت على يد ذات أصحاب العقول المتفحّمة، كلمة ترادف الشذوذ، و العهر، و القذارة، و تقليد الغرب الكافر (نعم كافر، أصبح اليوم كافر على يد الخميني و من شبّ شبّه، و الذي يملك مفاتيح الجنة !).

و لأن هؤلاء المتفحّمي العقول هم من يحق لهم البعبعة، و هم وحدهم من يملكون المال الفاسد و اللازم لإطلاق وسائل إعلامهم المتقدمة، بينما العبد الفقير لله كاتب هذه السطور لا يملك سوى هذا المنبر... لأنهم يملكون الفضائيات و غيرها، فهم وحدهم من يقرّر ماذا ينفع لنا نحن الشعوب المسحوقة و المعدومة (بسببهم غالبا)، من التوجّهات و الأفكار التي يجب أن تسود بين خلق الله. بل هم وحدهم من يقرّر تفسير إرادة الله (و حسبي الله و نعم الوكيل فيهم).

و كأن الله لم يكرّم الإنسان بحرية الاختيار، بين الجنّة و النار... و كأن الله حباهم هم وحدهم هذه المَكرمة...
نعم قارئي العزيز، لقد وجدت في الليبرالية تطبيقا مباشرا لمكرمة الله العظيمة في حريتنا بالاختيار، اختيار أفكارنا و معتقداتنا و فلسفاتنا التي تناسب حياتنا.
و لكن، لإن "القرضاوي" و من نحا نحوه قرّروا أن الليبرالية كافرة، و بدعة من بدع جهنّم و العياذ بالله، فإن مجرد التسمية (ليبرالية) صارت كفر و حرام و ممنوعة، ليس من الصرف، بل من النطق... لذلك علينا نحن الليبراليون أن نعاني تهم الشذوذ، و الإنحراف، بل و حتى الكفر.
و لا يهمني حقا ماذا يقولون عني، و لكني علي أن أعاني عندما أنادي بليبراليتي، و لن أجد سوى الآذان الصماء و العقول الموصودة إن فكرت أن أحاور أحدهم أو أجادله، رغم أوامر ربّ القرضاوي و الخميني و من حذا حذوهم الصريحة بالشورى و المجادلة بالتي هي أحسن. و كل ذلك لأني ليبرالي، و لأن الليبرالية كفر، من دون حتى أن يفكر مجادلي لماذا هي كفر(؟!)
و لكن الحل أبسط من البساطة نفسها... كل ما نحتاجه هو كلمة بديلة عن الليبرالية اللعينة، فلماذا علينا العناد و الحل بسيط؟ (أنا عارف أنه ضحك على الذقون، و لكن هل هناك ضير في مسايرة عقول الأولاد؟)
لذلك، أيها اللغوين العرب، أناشدكم، أوجدوا لنا كلمة بديلة عن الليبرالية لنطلقها على الليبرالية .. تماما كما فعل نجيب النجيب، و أنقذ مرسح القباني من الاندثار.