أمارجي كلمة سومرية تعني "الحرية"، و هي أقدم كلمة مدونة في التاريخ بهذا المعنى.

الأربعاء، 2 مارس 2011

الحضارة الزراعية الأولى، حضارة الأنثى

كنت قد تحدثت في موضوعي السابق: نشوء الحضارة، بين عقدة أوديبا و عامل الخبرة و الإرادة الواعية عن رأيي في كيفية نشوء الحضارة و التابوه او التشريع الأول الذي نظم العلاقات الزوجية بصيغتها البدائية.

يقول ماركس، و يجمع معه كثيرون أن المجتمع الإنساني الحضاري الأول كان مجتمعا مشاعيا، تحكمه علاقات زوجية مشاعية مع نظام تابوه بدائي. و لن أدخل في موضوعي هذا بتفاصيل النمط الزواجي البدائي، و من يريد الإطلاع على المزيد التفاصيل فما عليه إلا أن يراجع كتب مثل "الطوطم و التابوه" لسيغموند فرويد، او كتاب " نشوء العائلة و الملكية الخاصة" لفريدريك إنجلز، فقد استفاضا في شرح النمط الزواجي المشاعي.
هذا المجتمع المشاعي، كان يقوم على اقتصاد بدائي يعتمد على الجمع و الإلتقاط و الصيد.


فلمّا وهبت قوانين الحياة و الطبيعة  الذكر و الأنثى جسدين مختلفين فيزيولوجيا، فقد تحتم على ذلك الاختلاف، اختلافٌ في الأعمال و الاهتمامات. فقوة جسد الذكر، جعلته دون الأنثى قادراً على القيام بأعمال الصيد التي تحتاج لسرعةٍ في الجري و عنفٍ في المواجهة و عزمٍ على مصادر البروتين الضرورية للنمو (الحيوانات).
بينما كان جسد المرأة الولود عامل استقرارٍ أكبر، جعلها تهتم بأعمال جمع البقول و الأعشاب و الفطريات، و التقاط الثمار من مملكة النبات، المستقرة في الأرض مثل الأنثى، و وفّر لها وقتا أطول للتأمل و التعلم من الطبيعة التي حولها. و لا أجد أدلّ على هذا التأمل سوى أن أدعوكم أيها الأحبّة، للمقارنة بين مدى اهتمام الأنثى الغريزي بجسدها، الأمر الذي يتضاءل معه اهتمام الذكر بجسده حتى يكاد يبدو و كأنه إهمال.
و مع هذا التأمل و الملاحظة جاءت الحكمة التي هي نتيجة التأمل الحتمية.
و تجسّدت هذه الحكمة في اكتشاف بعض أساليب العلاج كنتيجة لمحاولة فهم الأنثى المبكر لآلية عمل جسدها من جهة، و نتيجة لعلاقة الأنثى بالأعشاب التي تلتقطها لتتمكن الجماعة من الحصول على قوتها في حال فشل الذكور من اصطياد البروتين الضروري لحياة البشر، من جهة ثانية. كما أنها تجسّدت أيضا في تعلّمها أساليب الزراعة الاولى بعد ملاحظتها لمعجزة الحياة الطبيعية و كيف تنتش البذور الساقطة على الارض لتغدو زرعا يعطي الغذاء و الكساء للبشر، في آلية تشبه إلى حدٍّ كبير، آلية الولادة التي تختص بها دوناً عن الذكور، مما جعلها أقدر من الذكر على فهم و تعلّم آلية الزراعة.
و مع تعلّم الزراعة، استطاعت البشرية أن تبتعد عن موطنها الأساسي في الغابات و الأدغال، لتنطلق البشرية إلى السهوب الواسعة التي على ضفاف الانهار الكبيرة، حيث الخصب و المناخ المعتدل و الحياة الرغيدة.
فقامت الحضارات الأولى على ضفاف الأنهار الكبرى مثل النيل و دجلة و الفرات و سيحون و الغانج... الخ.
و لم تنكر الحضارات البشرية المبكرة ذلك الدور الجليل الذي تقدّمه الأنثى في المجتمع، سواء من حيث العلم و المعرفة و الحكمة، أو من حيث اجتراح معجزة الحياة و الخلق (الولادة)، أو من حيث كونها عامل استقرار أساسي (لحاجتها لهذا الاستقرار بسبب الحمل و الولادة ثم الرضاعة و ممارسة دورها الأمومي... الخ). بل بجّلتها حتى وصلت إلى حدّ التقديس، فكانت آلهتهم أنثوية مثل إينانا و عشتار و عناة و إيزيس و أفروديت و فينوس ... الخ. و أستدلّ على ذلك من خلال التماثيل التي عثر عليها الآثاريون في كل مكان تقريباً، تلك التماثيل التي تجسّد أنثى تضخّمت أعضاءها الجنسية التناسلية كالأرداف و الأثداء. و التي يعود بعضها إلى أكثر من 15 الف سنة.
و أوضح تلك الحضارات التي وصلتنا هي حضارة "سومر" القديمة (تمييزا لها عن حضارة سومر الأحدث). تلك الحضارة التي قامت جنوب العراق عند التقاء نهري دجلة و الفرات.

هذه الحضارة الزراعية المبكرة، أنتجت أوّل و أقدم أساطير الخلق و التكوين، و سنرى لاحقا كيف أنّ هذه الحضارة ستطبع بطابعها كل الحضارات التالية، و هذا ما سنلاحظه في كل أسطورة وصلتنا عن الخلق و التكوين، و منها الأسطورة التوراتية، التي تشرح كيف انتقل جدّا البشر الأولان - آدم و حواء - من جنة أشبه ما تكون بالأدغال و الغابات الاستوائية، إلى بيئة أكثر ضراوة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق