أمارجي كلمة سومرية تعني "الحرية"، و هي أقدم كلمة مدونة في التاريخ بهذا المعنى.

الجمعة، 4 مارس 2011

حضارة الراعي، حضارة الذكر

كنت، و خلال جزئين قد عرضت رأيي عن بذور نشأة الحضارة الزراعية الأولى و التي وصفتها (و أظنّني قد توفّقت) بأنها حضارة الأنثى.
و تساءلت في نهاية الجزء الثاني: كيف إذن، انقلبت حضارتنا إلى حضارة ذكرية بحتة، تجاهد فيها المرأة بشقّ الأنفس للحصول على أبسط حقوقها؟
و سأحاول هنا أن أعرض رأيي المتواضع في كيفية نشوء حضارة الذكر.

لمّا كانت طبيعة الأنثى قد منحتها الوقت الكافي للتأمّل في مملكة النبات، فإن طبيعة الذكر ذي البنية القوية، قد منحته احتكاكا شبه دائم بمملكة الحيوان، من أجل الصيد كبداية.
و لكن العالم بأمور الصيد، يعرف أنه يحتاج إلى الصبر، و انتظار الفريسة، و مراقبتها و ترقّب أفضل الظروف لاصطيادها، كما أنّه يحتاج للسفر و الترحال الطويلين، للوصول إلى مواطن البروتين الغني لدى الحيوانات. هذا الترحال الطويل، يعني فترات ليلية طويلة من التأمل، في النجوم، و في الحنين للأنثى و التي هي بشكل أو بآخر تعني الوطن الآمن و المستقر في أماكن الخصب الرغيدة.
و لكن الأهم... هو التأمّل في مملكة الحيوان العجيبة. متفكّرا: الضواري يجب الابتعاد عنها، الكلاب و السموريات سيئة الطعم، القوارض قليلة البروتين، و الأهم، تلك البهائم الغنية البروتين، البطيئة، الوديعة، و الغبية إلى أقصى حدود البلاهة.
برأيي، لن يطول الأمر حتى يكتشف الذكر، قدرة الإنسان على ترويض بعض أنواع الحيوانات و تهجينها.
يجمع العلماء الأجلّاء، أن أول حيوان تم ترويضه هو الكلب، و الذي أعان الإنسان في الصيد، و كان عينه الحارسة لذريته و إناثه في ما يمكن أن نسميه "الوطن". و الخطوة التالية ستكون تهجين البهائم.
و هكذا، سيحصل أحد الذكور أو بعضهم (و لكن ليس جميعهم على كل حال) على مصادر البروتين، بل و اللبن أيضا - كجائزة إضافية- و بدون تكبّد عناء و مشقّة الصيد.
و إن كان الصيد يحتاج لعمل جماعي بسبب بدائية وسائل الصيد المتوفرة (كالحراب و السكاكين الحجرية و العظمية)، فإن الرعي لن يحتاج لأكثر من عصا، و لا بأس برفقة كلب يوفّر الوقت للمزيد من التأمل، و هذا حال الرعي إلى يومنا هذا. كما أنّه عمل فردي بالدرجة الأولى. و برأيي المتواضع، هذا الفرد كان الجد الأكبر للشعوب الساميّة. (سآتي على شرح هذه النقطة بشكل مفصل)

إذا كانت الأنثى قد استطاعت من خلال اكتشاف الزراعة، أن تنقل البشرية من مواطنها الأولى في الأدغال المطرية القريبة من خط الاستواء (كما يرى معظم العلماء)، إلى الوديان الخصبة، فإن هذا الراعي الأول (و لنطلق عليه مجازا اسم "قابيل ") قد استطاع أن يتحرر من ضرورة الالتصاق بالوديان الخصبة، ليصبح حرا في جميع السهوب، يسرح بها مع بهائمه المهجنة. مستمتعا بحرّيته و الأهم. مفتخرا بثروته....

نعم أيّها الأحبّة، فالانثى حين اكتشفت الزراعة، لم تتمكن من تعويض البشرية عن حاجتها الماسة للبروتين الحيواني الضروري جدا للنمو، و كان الحل باستمرار الصيد، و لهذا، كانت حضارتها حضارة جماعية شبه مشاعية.
أما قابيل الراعي، فإنه لا يحتاج الجماعة في شيء، فحيواناته المهجنة و المروضة تعوضه - إلا عن شيء واحد و هو المتعة الجنسية - و سهوب المراعي، كريمة أيضا و أحيانا كثيرة بنفس كرم الوديان. و هكذا برأيي نشأت الملكية الخاصة، إذ لا يوجد سبب واحد يدعو قابيل لمشاركة أي جماعة بشرية، في ثروته و قطعانه و ... حضارته.

و ليس هذا كل شيء، فإن صديقنا قابيل الراعي، و من خلال تأمّله بثروته الحيوانية، سيلاحظ حتما، أنها تجامع مثله، و أن إناث البهائم، تماما كإناثه، لا تأتي بالمواليد من طلقاء نفسها، بل تحتاج لماء الذكور، لتحبل و تلد.
و هنا سيكتشف قابيل أن المرأة لا تأتي بمعجزة حقا حين تلد. و هذا ما سيؤدي برأيي إلى رد فعل عكسي، و سيتحول تقديس الأنثى عند قابيل إلى إزدراء بل و احتقار. و لكنه ما يزال ينشد المتعة الجنسية.

سواء حصل قابيل على إناث متعته عن طريق الخطف، ام أنه كان مبتكر عمليات المقايضة و أولى عمليات المتاجرة.... فإن قابيل هذا سيحصل عاجلا أم آجلا، على متعته، و على ذريته الخاصة، المملوكة له و ليس للجماعة كما هو الحال لدى جماعة الحضارة الزراعية.

و مع ذرية قابيل، سينشأ رابط الدم المتين (و سيستمر إلى يومنا هذا و سيزداد قوة على قوة)، و سينسب الأبناء لأول مرة إلى الآباء، و سيبدأ مع رابط الدم هذا بظهور أول الشعوب الساميّة، أكثر ترابطا من الجماعات الزراعية البدائية (بالنسبة لها) برابط الدم، و أكثر تنظيما بوجود الأب الرئيس المالك للثروة و الذرية.
و ستتسارع حضارة الراعي بالتطور، متفوقة على الحضارات الزراعية، حتى يصبح الصدام و الصراع بين الحضارتين أمرا لا بد منه، و يكمل لنا التاريخ، كيف انتصرت الشعوب السامية على الجماعات الزراعية الأكثر بدائية، لتنشأ عندها أولى الممالك, و لتبدأ حضارة الراعي بالإزدهار و الانتشار.

هناك تعليق واحد:

  1. قلتلي حابب تاخد رأيي ببقية السلسلة
    رحت بلا ما تودعني وبلا ما شوفها
    بس بتعرف شو كان دايماً رأيي فيك يا كبير

    كنت الأمل وصرت الألم
    رح ضل غنيلك ضلوا شعرا

    سلام لروحك صديقي الغالي

    ردحذف